ولدت الشاعرة نازك الملائكة في بغداد عام 1923م ، ونشأت في بيت علمٍ وأدب ، في رعاية أمها الشاعرة سلمى عبد الرزاق أم نزار الملائكة وأبيها الأديب الباحث صادق الملائكة ، فتربَّت على الدعة وهُيئتْ لها أسباب الثقافة . وما أن أكملتْ دراستها الثانوية حتى انتقلت إلى دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944 بدرجة امتياز ، ثم توجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستزادة من معين اللغة الانكليزية وآدابها عام 1950 بالإضافة إلى آداب اللغة العربية التي أُجيزت فيها . عملت أستاذة مساعدة في كلية التربية في جامعة البصرة .
تجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية ، بالإضافة إلى اللغة العربية ، وتحمل شهادة الليسانس باللغة العربية من كلية التربية ببغداد ، والماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونس أميركا .
مثّلت العراق في مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بغداد عام 1965 .
آثارها : لها من الشعر المجموعات الشعرية التالية :
& عاشقة الليل صدر عام 1947.
& شظايا ورماد صدر عام 1949 .
& قرارة الموجة صدر عام 1957 .
& شجرة القمر صدر عام 1965 .
& مأساة الحياة وأغنية للإنسان صدر عام 1977 .
& للصلاة والثورة صدر عام 1978 .
& يغير ألوانه البحر طبع عدة مرات .
& الأعمال الكاملة - مجلدان - ( عدة طبعات ) .
ولها من الكتب :
& قضايا الشعر المعاصر .
& التجزيئية في المجتمع العربي .
& الصومعة والشرفة الحمراء .
& سيكولوجية الشعر .
كتبت عنها دراسات عديدة ورسائل جامعية متعددة في الكثير من الجامعات العربية والغربية .
&نشرت ديوانها الأول " عاشقة الليل " في عام 1947 ، وكانت تسود قصائده مسحة من الحزن العميق فكيفما اتجهنا في ديوان عاشقة الليل لا نقع إلا على مأتم ، ولا نسمع إلا أنيناً وبكاءً ، وأحياناً تفجعاً وعويلاً " وهذا القول لمارون عبود .
ثم نشرت ديوانها الثاني شظايا ورماد في عام 1949 ، وثارت حوله ضجة عارمة حسب قولها في قضايا الشعر المعاصر ، وتنافست بعد ذلك مع بدر شاكر السياب حول أسبقية كتابة الشعر الحر ، وادعى كل منهما انه اسبق من صاحبه ، وانه أول من كتب الشعر الحر ونجد نازك تقول في كتابها قضايا الشعر المعاصر " كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 ، ومن العراق ، بل من بغداد نفسها ، زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكادت ، بسبب تطرف الذين استجابوا لها ، تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعاً ، وكانت أول قصيدة حرة الوزن تُنشر قصيدتي المعنونة " الكوليرا " وهي من الوزن المتدارك ( الخبب) . ويبدو أنها كانت متحمسة في قرارها هذا ثم لم تلبث أن استدركت بعض ما وقعت فيه من أخطاء في مقدمة الطبعة الخامسة من كتابها المذكور فقالت :عام 1962 صدر كتابي هذا ، وفيه حكمتُ أن الشعر الحر قد طلع من العراق ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي ، ولم أكن يوم أقررت هذا الحكم أدري أن هناك شعراً حراً قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 سنة نظمي لقصيدة (الكوليرا) ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب منذ سنة 1932 ، وهو أمر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين لأنني لم أقرأ بعد تلك القصائد في مصادرها " .
وفاة رائدة الشعر الحر نازك الملائكة
توفيت بمستشفى في العاصمة المصرية الشاعرة العراقية الرائدة نازك الملائكة عن 84عاماً إثر هبوط حاد في الدورة الدموية.
وأبلغت الشاعرة العراقية ريم قيس كبه وهي من أسرة الملائكة (رويترز) إن نازك الملائكة التي عانت من أمراض الشيخوخة في الأيام الأخيرة تدهورت صحتها اليوم "أمس" فجأة ثم فارقت الحياة وستشيع جنازتها ظهر اليوم الخميس وتدفن بمقبرة للعائلة غربي القاهرة.
ولدت نازك صادق الملائكة في بغداد يوم 23أغسطس آب عام 1923م في أسرة تحتفي بالثقافة والشعر فكانت أمها تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية باسم أدبي هو (أم نزار الملائكة) أما أبوها صادق الملائكة فترك مؤلفات أهمها موسوعة (دائرة معارف الناس) في عشرين مجلداً. ودرست الشاعرة الراحلة اللغة العربية في دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944م كما درست الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة. ثم درست اللغات اللاتينية والإنجليزية والفرنسية وأكملت دراستها في الولايات المتحدة عام 1945م حيث حصلت بعد عامين على شهادة الماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكنسن.
والملائكة لقب أطلقه على عائلة الشاعرة بعض الجيران بسبب ما كان يسود البيت من هدوء ثم انتشر اللقب وشاع وحملته الأجيال التالية.
وعملت الملائكة بالتدريس في كلية التربية ببغداد ثم جامعة البصرة ثم بجامعة الكويت وتعد من أبرز رواد الشعر العربي الحديث الذين تمردوا على الشعر العمودي التقليدي وجددوا في شكل القصيدة حيث كتبوا شعر التفعيلة متخلين عن القافية لأول مرة في تاريخ الشعر العربي.
ونشرت الشاعرة قصيدتها الشهيرة (الكوليرا) عام 1947فسجلت اسمها في مقدمة مجددي الشعر مع الشاعر العراقي الراحل شاكر السياب ( 1926- 1946م) الذي نشر في العام نفسه قصيدته (هل كان حباً) واعتبر النقاد هاتين القصيدتين بداية ما عرف فيما بعد بالشعر الحر.
وسجلت نازك الملائكة في كتابها (قضايا الشعر الحديث) أن "بداية حركة الشعر الحر كانت سنة 1947م في العراق. ومن العراق بل من بغداد نفسها زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكادت بسبب تطرف الذين استجابوا لها تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعاً"
"وكانت أول قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة (الكوليرا) وكنت قد نظمت تلك القصيدة 1947م أصور بها مشاعري نحو مصر الشقيقة خلال وباء الكوليرا الذي دهمها وقد حاولت فيها التعبير عن واقع أرجل الخيل التي تجر عربات الموتى من ضحايا الوباء في ريف مصر. وقد ساقتني ضرورة التعبير إلى اكتشاف الشعر الحر".
وصدر ديوانها الأول (عاشقة الليل) عام 1947م ببغداد ثم توالت دواوينها التالية ومنها (شظايا ورماد) عام 1949و(قرارة الموجة) عام 1957م و(شجرة القمر) عام 1968و(يغير ألوانه البحر) عام 1970.كما صدرت لها عام 1007م بالقاهرة مجموعة قصصية عنوانها (الشمس التي وراء القمة).
ومن بين دراساتها الأدبية (قضايا الشعر الحديث) عام 1962م و(سايكولوجية الشعر) عام 1992فضلاً عن دراسة في علم الاجتماع عنوانها (التجزيئية في المجتمع العربي) عام 1947م.
ورحبت الشاعرة شعراً بثورة رئيس الوزراء العراقي الأسبق عبدالكريم قاسم عام 1958لكنها اضطرت لترك العراق وقضت في بيروت عاماً كاملاً بعد انحراف قاسم الذي "استهوته شهوة الحكم".
ورغم غياب نازك الملائكة عن المنتديات الثقافية في السنوات الأخيرة فإنها ظلت في دائرة الضوء إذ حصلت على جائزة البابطين عام 1996وجاء في قرار منحها الجائزة أنها "شقت منذ الأربعينيات للشعر العربي مسارات جديدة مبتكرة وفتحت للأجيال من بعدها باباً واسعاً للإبداع دفع بأجيال الشعراء إلى كتابة ديوان من الشعر جديد يضاف إلى ديوان العرب... نازك استحقت الجائزة للريادة في الكتابة والتنظير والشجاعة في فتح مغاليق النص الشعري".
كما أقامت دار الأوبرا المصرية يوم 26مايو أيار 1999م احتفالاً لتكريمها بمناسبة مرور نصف قرن على انطلاقة الشعر الحر في الوطن العربي وشارك في الاحتفال الذي لم تشهده نازك الملائكة لمرضها شعراء ونقاد مصريون وعرب بازرون اضافة إلى زوجها الدكتور عبدالهادي محبوة الذي أنجبت منه ابنها الوحيد البراق.
رحيل الشاعرة العراقية نازك الملائكة
رحلت الشاعرة العراقية نازك الملائكة في العاصمة المصرية عن عمر ناهز الخامسة والثمانين عاماً,
و شيعت الشاعرة الكبيرة ظهر الخميس إلى مثواها الأخير، في القاهرة، وشارك في جنازتها نخبة من المثقفين العراقيين، وأبناء الجالية العراقية، إضافة إلى أدباء وشعراء، ومثقفين مصريين. ونازك الملائكة من أبرز رواد الشعر العربي الحديث وكانت في طليعة الذين جددوا في شكل القصيدة العربية وخرجوا على الشعر العمودي التقليدي وكتبوا شعر التفعيلة، وذلك لأول مرة في تاريخ الشعر العربي. وكانت الفقيدة تعاني من أمراض الشيخوخة، وقد تدهورت صحتها في الأيام الأخيرة حتى مساء الأربعاء ثم فارقت الحياة، وبحسب وصيتها دفنت في مقابر مدينة 6 أكتوبر في ضواحي القاهرة. ولدت نازك صادق الملائكة في بغداد عام 1922 في أسرة تحتفي بالثقافة والشعر، إذ كانت والدتها تنشر الشعر في المجلات والصحف العراقية باسم أم نزار الملائكة، أما أبوها صادق الملائكة فترك مؤلفات أهمها موسوعة (دائرة معارف الناس) في عشرين مجلداً. وقد تركت تراثاً شعرياً جديراً بالتقدير. ومن بين مجموعاتها الشعرية: (عاشقة الليل) و(قرارة الموجة) و(شجرة القمر) و(يغير ألوانه البحر) و(الصلاة والثورة)، إلى جانب كتاباتها في النقد الأدبي، ومن أبرزها (قضايا الشعر المعاصر) و(التجزيئية الشعرية).
نــازك المـلائكة نبــــوءة شـــــــــاعرة
مع رحيل نازك الملائكة يودّع الأدب العربي آخر عمالقة الشعر الأصيل، الأصيل في الإبداع لا بالمعنى التقليدي الذي يذهب إليه البعض عندما يقولون أصيل بمعنى (التقليدي)
فالحداثة والإبداع الحقيقيان لا يفترقان أبداً، فهما موجودان في كل نص أدبي حقيق لا مزيف. نازك الملائكة ستبقى نقطة الارتكاز في التحول الذي انبلج معها في مسيرة الشعر العربي المعاصر، وذلك بلحظة كشفها لضيق أوزان الخليل التي قال عنها نزار قباني فيما بعد إنها قيود، وكانت نازك الملائكة قد حطمت هذه القيود فعلاً وممارسة قبل أن تقول: إن علينا ان نتجاوزها، والتحطيم هنا بمعنى الثراء والغنى والتنوع وشد النص المولود الى روح ونار المبدع لا إخضاع ذات المبدع الى قوالب الشكل، وإذا كان القدر قد قيض لنازك الملائكة أن تكون نقطة التفجر والانبثاق لحمل امتدت إرهاصاته أكثر من ألف عام، فإن لذلك الحدث أو الولادة أو لحظة الانبثاق والانفجار حكاية طريفة يجدر بنا أن نشير إليها كما روتها نازك الملائكة. الكوليرا تبدع شعر التفعيلة..
تقول نازك الملائكة: بعد صدور «عاشقة الليل» 1947م وبأشهر قليلة انتشر وباء الكوليرا في مصر الشقيقة وبدأنا نسمع الإذاعة تذكر أعداد الموتى يومياً وحين بلغ العدد (300) في اليوم انفعلت انفعالاً شعرياً وجلست أنظم قصيدة استعملت لها شكل الشطرين المعتاد مغيرة القافية بعد كل أربعة أبيات أو نحو ذلك وبعد أن انتهيت من القصيدة قرأتها فأحسست أنها لم تعبر عما في نفسي وأن عواطفي مازالت متأججة وأهملت القصيدة وقررت أن اعتبرها من شعري الخائب (الفاشل) وبعد أيام قليلة ارتفع عدد الموتى بالكوليرا الى (600) في اليوم، فجلست ونظمت قصيدة شطرين ثانية أعبر فيها عن إحساسي واخترت لها وزناً غير وزن القصيدة الأولى وغيرت أسلوب تقفيتها ظانة أنها ستروي ظمأ التعبير عن حزني ولكنني حين انتهيت منها شعرت أنها لم ترسم صورة إحساسي المتأجج وقررت أن القصيدة قد خابت، الأولى، وأحسست أنني أحتاج الى أسلوب آخر أعبر به عن إحساسي وجلست حزينة حائرة لا أدري كيف أستطيع التعبير عن مأساة الكوليرا التي تلتهم المئات من الناس كل يوم. وكان يوم الجمعة 27/10/1947م وفي مخاضات الولادة يأتي يوم 27/10/1947حاسماً ولحظة الانفجار الشعري تقول: أفقت من النوم وتكاسلت في الفراش استمع الى المذيع وهو يذكر أن عدد الموتى بلغ ألفاً فاستولى عليّ حزن بالغ، وانفعال شديد فقفزت من الفراش وحملت دفتراً وقلماً وغادرت منزلنا الذي يموج بالحركة والضجيج يوم الجمعة وكان الى جوارنا بيت شاهق يبنى، وقد وصل البناؤون الى سطح طابقه الثاني وكان خالياً لأنه يوم عطلة العمل فجلست على سياج واطئ وبدأت أنظم قصيدتي المعروفة الآن (الكوليرا) وكنت قد سمعت في الإذاعة أن جثث الموتى كانت تحمل في الريف المصري مكدسة في عربات تجرها الخيل، فرحت أكتب وأنا أتحسس صوت أقدام الخيل: سكن الليل اصغ الى وقع صدى الأنّات في عمق الظلمة، تحت الصمت على الأموات ولاحظت في سعادة بالغة أنني أعبر عن إحساس أروع تعبير بهذه الأشطر غير المتساوية الطول، بعد أن ثبت لي عجز الشطرين عن التعبير عن مأساة الكوليرا، ووجدتني أروي ظمأ النطق في كياني وأنا أهتف: الموت، الموت، الموت تشكو البشرية تشكو ما يرتكب الموت.. وفي نحو ساعة واحدة انتهيت من القصيدة بشكلها الأخير ونزلت ركضاً الى البيت، وصحت بأختي إحسان: انظري لقد نظمت قصيدة عجيبة الشكل أظنها ستثير ضجة فظيعة، وما كادت إحسان تقرأ القصيدة-وهي أول من قرأها- حتى تحمست لها تحمساً شديداً وركضت بها الى أمي فتلقتها ببرودة، وقالت لي: ما هذا الوزن الغريب؟! إن الأشطر غير متساوية وموسيقاها ضعيفة يابنتي. وغضب أبي.. ثم قرأها أبي، وقامت الثورة الجامحة في البيت، فقد استنكر أبي القصيدة وسخر منها، واستهزأ بها على مختلف الأشكال، وتنبأ لها بالفشل الكامل ثم صاح بي ساخراً: وما هذا الموت، الموت، الموت!! وراح أخوتي يضحكون وصحت أنا بأبي: قل ما تشاء إنني واثقة أن قصيدتي هذه ستغير خريطة الشعر العربي وكنت مندفعة أشد الاندفاع في عباراتي هذه، وفي أمثال لها كثيرة قلتها رداً على التحدي بالتحدي، ولكن الله سبحانه وتعالى كان يسبغ عليّ رحمته في تلك اللحظات الحرجة من حياتي الشعرية فكتب لقصيدتي أن يكون لها شأن كما تمنيت وحلمت في ذلك الصباح العجيب في بيتنا، ومنذ ذلك التاريخ انطلقت في نظم الشعر الحر، وإن كنت لم اتطرف الى درجة نبذ شعر الشطرين نبذاً تاماً كما فعل كثير من الزملاء المندفعين أحزان سرمدية.. الحزن رفيقها منذ صدور مجموعتها الأولى (عاشقة الليل) عام 1947م وعن اختيارها لهذا العنوان تقول: الليل كان يرمز عندي الى الشعر والخيال والأحلام المبهمة وجمال النجوم وروعة القمر والتماع دجلة تحت الأضواء، وكنت في الليل أعزف على عودي في الحديقة الخلفية للبيت بين الشجر الكثيف حيث كنت أغني ساعات كل مساءً، وقد كان الغناء سعادتي الكبرى منذ طفولتي، وكنت أحبس أنفاسي إذا ما سمعت صوت عبد الوهاب وام كلثوم يحمله إليّ جهاز يدور في بيت الجيران. بعد عاشقة الليل صدرت مجموعتها الثانية (شظايا ورماد) عام 1949م وعام 1957م صدرت مجموعتها الثالثة (قرارة الموجة) وفي عام 1968م صدرت مجموعتها الرابعة بعنوان: (شجرة القمر) وفي عام 1970م صدرت مطولتها الشعرية (مأساة الحياة وأغنية للإنسان). وفي الدراسات الأدبية والنقدية لها أكثر من كتاب ودراسة لعل أشهرها: «قضايا الشعر المعاصر» و «شعر علي محمود طه» صدرت دراسات نقدية تناولت تجربتها الإبداعية لكنها لم تنل الاهتمام الذي تستحقه وربما كان إحساسها بذلك مبكراً ومنذ مجموعتها (عاشقة الليل) إذ تقول نازك الملائكة: ضاع عمري في دياجير الحياة وخبت أحلام قلبي المغرق ها أنا وحدي على شط الممات والأعاصير تنادي زورقي ليس في عيني غير العبرات والظلال السود تحمي مفرقي ليس في سمعي غير الصرخات أسفاً للعمر، ماذا قد بقي..؟
نازك الملائكة ... وعن الأحياء الباقين
فُجأة تعود إلى نبض الحروف، وفُجأة تسارع الأقلام إلى لَجفِ الكلمات من قاع بئر مهجورة، كذلك تعود الـ(نازك) إلى مجرّتها الكونية الأدبية، عام ونصف العام والأثواب البيضاء وحدها تقف تعاينها عن قرب، وربما كانت الأسئلة بغير طريقة المثقفين والكتّاب، وكانت على غير شُرعة قصائد النعي والندب والحسرات والتألم لرحيلها، كانت وأظنها كذلك مواساة للألم وليس للمرض، وقلة- إن وجدت- من كانت تذكر نازك الملائكة أو يعودها في مشفاها.
نازك التي تعلمانها طلاباً صغاراً قبل أن نُسجَّل تحت يافطات الأدباء والكتّاب والشعراء، نازك التي كانت درساً إلزامياً كي تتخطى بلاغتك القوة، وكي تضيف إلى معرفتك معرفة أخرى في عالم الأدب والبلاغة، لم نكن نحسبها عراقية أو شآمية أو مغاربية، كنا نحسبها عربية تعيش بين سطور الكلمات وتجدها مسافرة بين دفتي الكتب..
هذي نازك التي تعلمناها وحفظناها وعرفانها .
من قبل وَدعت الكاتبة المغربية مليكة مستظرف – وغيرها- الحياة بعد معاناة مع المرض شهدها كل كاتب وكاتبة، ولم يسعفها أحد إلا بعد رحيلها بكلمات النعي والحزن والبكاء ليسجل لها قاعة أدبية استعراضية باسمها!، وغير مليكة ونازك، وغيرهم كثر الذين لا نستذكرهم أحياء ونبكيهم أمواتاً ونذرف الدموع ونذرذر الحروف ونكتب.
لم أعرف نازك الملائكة شخصياً -وهذا طبيعي جدا- ً ولكن عرفتها كما عرفت نُخب الكتّاب والشعراء في عالمنا العربي... نصاً وكتاباً وإبداعاً، ولا أظن حين يذكر اسمها أن هناك من يتساءل عنها، فهي محفوظة الاسم والإبداع، وحين سمعت خبر وفاتها وقرأت الكم الهائل المتدفق من البكائيات والمراثي كأن الرافدين اجتاحا العالم بما فيهما من ماء لننسى أن هناك بحاراً ومحيطات مائية لكثرة ذلك التدفق السيّال من الكلمات من أجلها.
كنت أظنها قد توفها الله منذ زمن طويل، وشاطرني الكثير من الكتاب ذلك الظن، واستغرب أين كانت كل تلك الأقلام التي فُجعت وصُعقت وندبت ورثت وقصصت أحزانها وتألمها ووجعها على رحيل نازك الملائكة التي شكلّت أو كانت تشكّل حالة ما في الأدب المعاصر ومحدثة فيه؟!
وهناك- أيضاً- من تشردنا مع قصائده بين الحدود ومزقت الأسيجة الشائكة أرجلنا وعلقت قطع من أثوابنا عليها، طريح فراش وسرير المرض والمعاناة أيضاً.
من يسأل مظفر النواب عن غيابه؟! وهل تعودنا غياب الكبار المبدعين – ربما-؟! متى نسأل عن المبدع الذي نطرب لإبداعه إذا علمنا أنه غائب في حياته؟! أخشى أن أقلامنا تنتظر الغائب لنستعجله الرحيل كي نكتب لنرفد نهر الكتابة السيّالة بكلمات الوداع والنعي.
أظن أنه بات علينا أن نستذكرهم أحياء كي نؤجل رحيلهم قليلاً، أو حين يرحلون، يرحلون بابتسامة وفرح... بأنَّ هناك من يذكرهم... فيبتسمون عند شهقة الوداع.
وأظن أنه بات علينا أن نعيد ذكرى السيرة لمن نحسبهم أعلام إبداعنا الثقافي والفكري والأدبي، لعلنا نجد منهم حياً يُرزق فيبتسم، ونعيد له روحه الشابة التي أطفأها وأهلكها وأتعبها كي يكون لنا ما نتكئ عليه في إبداعنا... ولعلني أدق ناقوس التذكّر كي نجد من يَذكُرنا نحن كتّاب التدفق اليومي وأصحاب الجزالة والغزارة اللحظية كي نصحو من حالة التذكّر الموسمي لتكون حالة دائمة نكتب فيها عن الحي ليشهد ما يُكتب كي نَصْدُق بعد رحيله حين نكتب نص الرثاء.
- ربما نصحو على خبر عمّا قليل يُنبئنا بموت مي زيادة... ربما!!!
أقرأ له أيضا
الفلسطيني إن بكى ! ـ عبد السلام العطاري- موقع ألف